المادة    
ثُمَّ قال المصنف: [وإنما هذا من الاعتداء في الدعاء، وقد قال تعالى: ((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ))[الأعراف:55]].
ووجه الاعتداء فيه أنه دعا بأمر غير مشروع وجعل سبباً لم يجعله الله تبارك وتعالى سبباً، وتوسل بما لم يجعله الله تبارك وتعالى وسيلة.
ثُمَّ يقول: [وهذا ونحوه من الأدعية المبتدعة لم ينقل عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن الصحابة ولا عن التابعين، ولا عن أحد من الأئمة رضي الله عنهم] وهذا صحيح، فلا يوجد نقل صحيح يُثبت ذلك، وإنما نقل من بعض الكتب التي تروي الموضوعات أو الواهيات كما ورد شيء من ذلك في كتاب حلية الأولياء لـأبي نعيم، وفي تاريخ ابن عساكر.
وذكر بعضاً منها شَيْخُ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ رحمه الله تَعَالَى في كتابه قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة وبين وجه بطلانها، وعدم صحتها، كما ينقل عن عبد الله بن الزبير أنه قَالَ: أسألك بحرمة هذا البيت العتيق وبحق الطائفين أن تزوجني فلانة، وهذه الرواية بعينها لم تصح، وغير هذا مما هو مشهور في كتب الأدب، ولا يصح ولا يمكن أن يحصل هذا عن أحد من السلف وإن حصل فالعبرة بما صح عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهل البدع يتمسكون بمثل هذه الأمور ليوقعوا النَّاس في الشرك الأكبر.

ثُمَّ يقول رحمه الله: [وإنما يوجد مثل هذا في الحروز والهياكل التي يكتبها الجهال والطرقيه]، ومثل هذا مما هو موجود في كتب السحر والشعوذة التي فيها الاستعانة والاستعاذة والاستغاثة بمردة الشياطين وملوكهم والتقرب إليهم بأنواع العبادات -عافنا الله من ذلك- وإذا كَانَ مَنْ يتوسل بحق النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو بحق أي رجل صالح يكون توسله بدعياً، لا يصح ولا يُقبل الدعاء به! فما بالك بمن يتوسل بالشياطين المردة، الذين يتقرب إليهم هَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ بأنواع من العبادات التي لا تجوز إلا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟! وإذا سُئِلَ هذا المشرك المتقرب إِلَى هَؤُلاءِ الشياطين ماذا تفعل؟ قَالَ: هذا خادم لي أو هذه خادمة -أي:الشيطان- ولو سُئِلَ الشيطان المارد أيضاً لقال: هذا خادم لي -يعني: الإنسي- فكل منهما يخدم الآخر هذه هي الحقيقة.
ولهذا في يَوْمِ القِيَامَةِ إذا تجلت الحقائق، وانكشفت ولم يعد هنا مجال للكذب، والإنكار والافتراء فإنهم يقولون: ((رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ)) [الأنعام:128]، وكما هو ملاحظ أنه كلما كثرت عبودية، وتعلق النَّاس بهَؤُلاءِ -الذين يسمونهم سادة أو أولياء وهم مشعوذون دجالون- تكثر الأمراض ويكثر دخول الجن في بني آدم ويكثر أذية الجن للناس لأنهم يزيدونهم رهقاً وخوفاً، وأذىً، حتى ظفر أُولَئِكَ بمزيدٍ من العبودية لأوليائهم الذين هم واسطة بين هَؤُلاءِ النَّاس المخدوعين العوام، وبين ذلك الطاغوت من طواغيت الجن الذي يعبد ويعظم من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  1. مروجو الأدعية المبتدعة هدموا العقيدة والحياة